الأربعاء، 7 يونيو 2017

سيادة الشريعة .. ( الحد الفاصل بين الإسلام والعلمانية )... الجزء الاول

لحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن من أعظم محكمات الإيمان التسليم والخضوع ( علماً وعملاً ) لشريعة الإسلام في المنشط والمكره، والرضا والغضب، وعدم تقديم أي أمر من الأمور على كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الحجرات:1) ومعنى ذلك أنه لا يقدم على الشريعة أي أمر من الأمور مهما رآه صاحبه أمراً حسناً سواءً كان عقلاً، أو حرية، او أمة أو غير ذلك.

والإقرار بهيمنة الشريعة وحاكميتها وتقديمها والقبول بها قولاً وعملاً دون أي شرط أو استثناء هو قاعدة الايمان وأصله كما قال تعالى: )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)

ومع وضوح هذه الحقيقة الشرعية وانعقاد الاجماع عليها فقد حاولت التيارات العلمانية والتنويرية الانتقاص من ذلك بجعل السيادة للبشر، وعدم القبول بالشريعة حاكمة بالفعل في حياة الناس إلا بشرط التصويت عليها لتنال الشرعية في التحكيم، ويرون التفريق بين الإيمان بالشريعة اعتقاداً قلبياً، وتحكيمها واقعاً عملياً، وهذا هو الفصل العلماني الشهير بين الدين القلبي الإيماني، والدين العملي الحاكم والمهيمن على حياة الناس، وهي فكرة خارجة عن النسق الاسلامي ومخالفة لإجماع المسلمين ولم تعرف إلا بعد أزمنة الاستعمار على يد العلمانيين.
ولا يتعارض - حسب التصور العلماني - الاجتماع بين الاعتقاد الشخصي بالحلال والحرام، والتشريع المبدل لأحكام الشريعة، لأن الأول اختيار شخصي، والثاني حق من حقوق الأمة، وعندما تختار الأمة الشريعة فإن شرعية تطبيقها وتحكيمها لم يأت من كونها ربانية الأمر والنهي، وإنما لكونها تحققت فيها السيادة المعتبرة، وهي سيادة الأمة.
وهذا التصور في غاية التناقض فما هي فائدة اعتقاد الحلال والحرام إذا أقرّ بشرعية تبديله في حال حصول ذلك من الأمة ؟، هذا اعتقاد لا قيمة له لأنه معارض باعتقاد آخر وهو شرعية التبديل إذا تم من خلال الأمة !!....مفهوم السياده-

السيادة في اللغة والاصطلاح مرجعها واحد فهي مأخوذة من السيد وهو المتصرف المطلق، وصاحب الأمر والنهي والذي تعود اليه كافة السلطات الثلاثة، ومنها سلطة التشريع، وقد ظهرت في الفكر الغربي لدى المدرسة القانونية الفرنسية المعبرة عن العقد الاجتماعي كما يراه جان جاك روسو، والسيادة هي المعبرة عن الإرادة العامة عند روسو، وهي السلطة العليا التي لا توجد فوقها ولا تحكمها ولا تهيمن عليها أي سلطة مهما كانت.

و" سيادة الأمة " في الفكر السياسي المعاصر هو التعبير القانوني للنظام الديمقراطي، فهو الوجه القانونيوالمبرر العقلاني لاستحقاق السلطات، وهو يعطي الأمة أو الشعب السلطة العليا في التشريع، فلا قانون إلا ما اقرته الأمة، وما اتفقت عليه الأمة فهو القانون الشرعي الذي يجب الاذعان له لأنه نابع من سيادة الأمة واستحقاقها للتشريع المطلق.

وعليه فلو أحلت الأمة حراماً او حرمت حلالاً فهذا ما يجب القبول به، ولا يجوز الخروج عن سيادتها، وبهذا تكون الامة هي صاحبة التشريع والحاكمية لامتلاكها السيادة المطلقة، وبغض النظر عن نوع الاختيار الذي تختاره الأمة، ففكرة السيادة تجعل المرجعية العليا للامة وليس للإسلام والشريعة الربانية.

وبهذا يتبين ان سيادة الامة تجاوزت اختيار الافراد للحكم كآلية من خلال الانتخاب الى ان اصبحت السلطة العليا التي بيدها السيادة المطلقة ومنها تشريع القوانين، وهذا هو جوهر الفلسفة الديمقراطية التي كان يرفضها بعض التنويريين قديماًلأنها تعطي حق التشريع لغير الله تعالى.

ومن الخداع والمغالطة تسمية اختيار الناس لمن يحكمهم من خلال الانتخابات " سيادة "، وتقديمها على الشريعة، ثم حكاية كلام من يبيحها على أنه يرى " السيادة للأمة " !!، لأنه يمكن أن يتم اختيار من يحكمهم مع كون الشريعة هي صاحبة السيادة والهيمنة والحاكمية، فالأول عمل اجرائي تنظيمي مجرد له صور مختلفة منها الصحيح ومنها الزائف، أما منازعة سيادة الشريعة وحاكميتها فهو مناقض لأصل الايمان.

كما ان من المغالطة قول القائل " سيادة الامة بمرجعية الشريعة "، فالسيادة هي المرجعية العليا للسلطات الثلاثة ( التشريعية، والقضائية، والتنفيذية )، فكيف تكون سيادة بمرجعية وهي ذاتها المرجعية ؟! وبهذا يتميز من يجعل المرجعية للشريعة ممن يجعل المرجعية للأمة.

ومن يجعل السيادة للأمة لا يمانع من الإيمان القلبي والنظري بأحكام الشريعة، ولكنها لا تكون نافذة الا من خلال مرجعية الأمة، وهو يرى أن من حق الامة ان تختار ما تشاء، فهذا حقها وهذه حريتها، وعليه فلو اختارت الامة اباحة المحرمات الظاهرة، وعدم الالتزام بالواجبات الظاهرة فهو حق مشروع لها لأنها صاحبة السيادة، وهذا التأسيس لاستحقاق الامة السيادة المطلقة هو الحكم بالطاغوت لأنه استحلال للمحرمات الظاهرة، وترك الواجبات الظاهرة حتى لو لم يفعلها، وهذا هو الحكم بغير ما انزل الله، واستحلال القوانين الوضعية، وهي الاشكالية الكبرى بين الاسلام والعلمانية في العصر الحديث.
يقول الدكتور عبدالرزاق السنهوري ( وهو أحد كبار القانونيين العرب، وغير محسوب على التيار السلفي ):" روح التشريع الإسلامي يفترض أن السيادة بمعنى السلطة غير المحدودة لا يملكها أحد من البشر، فكل سلطة إنسانية محدودة بالحدود التي فرضها الله، فهو وحده صاحب السيادة العليا، ومالك الملك وإرادته هي شريعتنا التي لها السيادة في كل المجتمع، ومصدرها والتعبير عنها هو كلام الله المنزل في القرآن، وسنة رسوله المعصوم الملهم ثم إجماع الأمة" ( فقه الخلافة وتطورها ص 70 )

مواضيع ذات صلة

سيادة الشريعة .. ( الحد الفاصل بين الإسلام والعلمانية )... الجزء الاول
4/ 5
بواسطة

إشترك بنشرتنا البريدية

إشترك معنا عبر بريدك الإلكتروني للحصول على اخر اخبارنا و مواضيعنا.